سورة القصص - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياأيهالملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} قاله اللعينُ بعدَ ما جمعَ السَّحرةَ وتصدَّى للمُعارضةِ فكانَ من أمِرهم ما كانَ {فَأَوْقِدْ لِى ياهامان ياهامان عَلَى الطين} أي أصنعْ آجرَّاً {فاجعل لّى} منه {صَرْحاً} أي قصراً رفيعاً {لَّعَلّى أَطَّلِعُ إلى إله موسى} كأنَّه توهَّم أنَّه لو كان لكان جسماً في السَّماءِ يمكن الرُّقيُّ إليه ثم قال: {وَإِنّى لاظُنُّهُ مِنَ الكاذبين} أو أرادَ أنْ يبنيَ له رَصَداً يترصَّدُ منه أوضاعَ الكواكبِ فيرى هل فيها ما يدلُّ على بعثةِ رسولٍ وتبدلِ دولتِه. وقيل: المرادُ بنفي العلمِ في المعلومِ كما في قولِه تعالى: {قُلْ أَتُنَبّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى السموات وَلاَ فِى الارض} فإنَّ معناهُ بما ليس فيهنَّ وهذا من خواصِّ العلومِ الفعليةِ فإنَّها لازمةٌ لتحققِ معلوماتِها فيلزم من انتفائِها انتفاءُ معلوماتِها ولا كذلكَ العلومُ الانفعاليةُ، قيل أولُ من اتَّخذَ الآجرَّ فرعونُ ولذلك أُمرِ باتخاذِه على وجهٍ يتضمَّنُ تعليمَ الصَّنعةِ مع ما فيهِ من تعظمٍ، ولذلك نادى هامانَ باسمهِ بيا في وسطِ الكلامِ {واستكبر هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الارض} أرضِ مصرَ {بِغَيْرِ الحق} بغيرِ استحقاقٍ {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ} بالبعثِ للجزاءِ. وقرئ بفتحِ الياءِ وكسرِ الجيمِ من رجعَ رجُوعاً والأولُ من رجع رجعاً وهو الأنسبُ بالمقامِ.
{فأخذناه وَجُنُودَهُ} عقيبَ ما بلغُوا من الكفرِ والعتُوِّ أقصى الغاياتِ {فنبذناهم فِى اليم} قد مرَّ تفصيلُه وفيه من تفخيمِ شأنِ الأخذِ وتهويلِه واستحقارِ المأخوذينَ المنبوُذينَ ما لا يخفى كأنَّه تعالى أخذَهم مع كثرتِهم في كفَ وطرحَهم في البحرِ، ونظيُره قولُه تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ والارض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين} وبيَّنها للنَّاسِ ليعتبرُوا بها {وجعلناهم} أي صيَّرناهم في عهدِهم {أَئِمَّةً يَدْعُونَ} النَّاسَ {إِلَى النار} إلى ما يُؤدِّي إليها من الكفرِ والمَعَاصي أي قدوةً يَقتِدي بهم أَهلُ الضَّلالِ لمَّا صرفُوا اختيارَهم إلى تحصيلِ تلك الحالةِ وقيل سمَّيناهم أئمةً دعاةً إلى النَّار كما في قولِه تعالى: {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} فالأنسبُ حينئذٍ أن يكونَ الجعلُ بعدهم فيما بين الأممِ وتكونَ الدَّعوة إلى نفسِ النَّارِ وقيل: معنى الجعلِ منعُ الألطافِ الصَّارفةِ عن ذلك {وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ} بدفعِ العذابِ عنُهم بوجهٍ من الوجوهِ.


{وأتبعناهم فِى هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً} طرداً وإبعاداً من الرَّحمةِ ولعناً من اللاعنينَ حيثُ لا يزالُ يلعنُهم الملائكةُ عليهم الصَّلاة والسَّلام والمؤمنون خَلَفاً عن سَلَفٍ {وَيَوْمَ القيامة هُمْ مّنَ المقبوحين} من المطرُودينِ المُبعدينَ وقيل من الموسُومين بعلامةٍ منكرةٍ كزرقةِ العُيون وسوادِ الوجهِ قالَه ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. يُقال قبَّحه الله وقبَحه إذا جعلَه قبيحاً وقال أبوُ عُبيدةَ: من المقبُوحين من المُهلكينَ ويومَ القيامةِ إمَّا متعلقٌ بالمقبوحينَ على أنَّ اللامَ للتعريفِ لا بمعنى الذي أو بمحذوفٍ يُفسره ذلك كأنَّه قيل: وقُبحوا يومَ القيامةِ نحو {لعملِكم من القالينَ} {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب} أي التوراةَ {مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القرون الاولى} هم أقوامُ نوحٍ وهودٍ وصالحٍ ولوطٍ عليهم السَّلام، والتَّعرض لبيانِ كونِ إيتائها بعدَ إهلاكِهم للإشعارِ بمساس الحاجةِ الدَّاعيةِ إليه تمهيداً لما يعقبُه من بيانِ الحاجةِ الدَّاعية إلى إنزالِ القُرآن الكريمِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ إهلاكَ القُرون الأُولى من موجباتِ اندراسِ معالمِ الشَّرائعِ وانطماسِ آثارِها وأحكامِها المؤديينِ إلى اختلالِ نظامِ العالمِ وفسادِ أحوالِ الأُمم المستدعيينَ للتشريعِ الجديدِ بقريرِ الأُصولِ الباقيةِ على مرِّ الدُّهورِ وترتيب الفروعِ المتبدلة بتبدلِ العُصور وتذكير أحوالِ الأُممِ الخاليةِ الموجبةِ للاعتبارِ كأنَّه قيلَ ولقد آتينَا مُوسى التوراةَ على حين حاجةٍ إلى إيتائِها {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} أي أنواراً لقلوبِهم تبصرُ الحقائقَ وتميزُ بين الحقِّ والباطلِ حيثُ كانتْ عُمياً عن الفهمِ والإداركِ بالكُلِّية فإنَّ البصيرةَ نورُ القلبِ الذي به يستبصرُ كما أنَّ البصرَ نورُ العينِ الذي به تبصرُ {وهدى} أي هدايةً إلى الشَّرائعِ والاحكامِ التي هي سُبلُ الله تعالى {وَرَحْمَةً} حيثُ ينالُ من عملَ به رحمةَ الله تعالى. وانتصابُ الكلِّ على الحاليَّةِ من الكتابِ على أنَّه نفسُ البصائرِ والهُدى والرَّحمة أو على حذفِ المضافِ أي ذَا بصائرَ إلخ وقيل على العلَّة أي آتيناهُ الكتابَ للبصائرِ والهُدى والرَّحمةِ {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ليكونُوا على حالٍ يُرجى منه التَّذكرُ وقد مرَّ تحقيقُ القولِ في ذلك عند قولِه تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} من سُورةِ البقرةِ الآية 21 وقوله تعالى: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربى} شروعٌ في بيانِ أنَّ إنزالَ القرآنِ الكريمِ أيضاً واقعٌ في زمانِ شدَّة مساسِ الحاجةِ إليه واقتضاءِ الحكمةِ له البتةَ وقد صدرَ بتحقيقِ كونِه وحياً صادقاً من عندِ الله عزَّ وجلَّ ببيانِ أنَّ الوقوفَ على ما فُصِّل من الأحوال لا يتسنَّى إلا بالمشاهدةِ أو التعلُّمِ ممَّن شاهدَها وحيثُ انتفى كلاهُما تبينَ أنَّه بوحيٍ من علاَّمِ الغُيُوبِ لا محالةَ على طريقةِ قولِه تعالى: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أقلامهم أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} الآيةَ أيْ وما كنتَ بجانبِ الجبلِ الغربِّي أو المكانِ الغربيِّ الذي وقعَ فيه الميقاتُ على حذفِ الموصوفِ وإقامةِ الصِّفةِ مُقامَهُ أو الجانبِ الغربِّي على إضافةِ الموصُوفِ إلى الصِّفةِ كمسجدِ الجامعِ. {إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الامر} أي عهدنَا إليهِ وأحكمَنا أمرَ نبوَّتِه بالوحي وإتياءِ التَّوراةِ {وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين} أي من جُملة الشاهدينَ للوحي وهم السبعونَ المختارون للميقاتِ حتَّى تشاهدَ ما جرى من أمرِ مُوسى في ميقاتِه وكتبةِ التَّوراةِ له في الألواحِ فتخبَره للنَّاسِ.


{وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً} أي ولكنَّا خلقنا بين زمانِك وزمانِ مُوسى قُروناً كثيرةً {فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر} وتمادَى الأمدُ فتغيرتِ الشَّرائعُ والأحكامُ وعَميتْ عليهم الأنباءُ لا سيَّما على آخرِهم فاقتضَى الحالُ التَّشريعَ الجديدَ فأوحينَا إليكَ فحذفَ المستدرَكَ اكتفاءً بذكِر ما يُوجبه ويدلُّ عليهِ. وقولُه تعالى: {وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِى أَهْلِ مَدْيَنَ} نفيٌ لاحتمالِ كونِ معرفتِه عليه الصَّلاة والسَّلام للقصَّةِ بالسَّماعِ ممَّن شاهدَها أي وما كنتَ مُقيماً في أهلِ مدينَ من شُعيبٍ والمؤمنينَ به. وقولُه تعالى: {تَتْلُو عَلَيْهِمْ} أي تقرأُ على أهلِ مدينَ بطريقِ التعلمِ منهم {ءاياتنا} الناطقةَ بالقصَّةِ إمَّا حالٌ من المُستكنِّ في ثاوياً أو خبرٌ ثانٍ لكنتَ {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} إيَّاك ومُوحين إليكَ تلك الآياتِ ونظائرَها {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} أي وقتَ ندائِنا مُوسى حح {إِنّى أَنَا الله رَبُّ العالمين} واستنبائنا إيَّاه وإرسالِنا له فرعونَ {ولكن رَّحْمَةً مّن رَّبِكَ} أي ولكنْ أرسلناكَ بالقُرآنِ النَّاطقِ بما ذُكر وبغيرِه لرحمةٍ عظيمةٍ كائنةٍ منَّا لك وللنَّاسِ. وقيل: علمناكَ وقيل: عرَّفناك ذلك وليس بذاكَ كما ستعرفُه. والالتفاتُ إلى اسمِ الربِّ للإشعارِ بعلَّةِ الرَّحمةِ وتشريفِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالإضافةِ وقد اكتُفي عن ذكرِ المستدركِ هُهنا بذكر ما يُوجبه من جهتِه تعالى كما اكتفى عنْهُ في الأولِ بذكرِ ما يُوجبه من جهةِ النَّاسِ وصرَّح به فيما بينُهما تنصيصاً على ما هُود المقصودُ وإشعاراً بأنَّه المرادُ فيهما أيضاً ووِ درُّ شأنِ التَّنزيلِ. وقولُه تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْماً} متعلقٌ بالفعلِ المعلَّلِ بالرَّحمةِ فُهو ما ذكرنا من إرسالِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالقُرآنِ حتماً لما أنَّه المعللُ بالإنذارِ لا تعليمُ ما ذُكر. وقرئ: {رحمةٌ} بالرَّفعِ على أنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ وقولُه تعالى: {مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ} صفةٌ لقوماً أي لم يأتهم نذيرٌ لوقوعِهم في فترةٍ بينك وبينَ عيسى وهي خمسمائةٌ وخمسونَ سنةً أو بينك وبين إسماعيلَ بناء على أنَّ عوةَ مُوسى وعيسى عليهما السَّلامُ كانتْ مختصَّةً ببني اسرائيلَ {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أيْ يتعظونَ بإنذارِك. وتغييرُ التَّرتيبِ الوقوعيِّ بين قضاءِ الأمرِ والثّراء في أهلِ مدينَ والنِّداءِ للتنبيهِ على أنَّ كلاًّ من ذلك برهانٌ مستقلُّ على أنَّ حكايتَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ للقصَّةِ بطريقِ الوحِى الإلهيِّ ولو ذُكر أولاً نفيُ ثوائِه عليه الصَّلاة والسَّلام في أهلِ مدينَ ثمَّ نفيَ حضورُه عليه الصَّلاة والسَّلام عندَ النِّداءِ ثم نُفي حضورُه عند قضاءِ الأمرِ كما هو الموافقُ للترتيبِ الوقوعيِّ لربَّما تُوهم أنَّ الكلَّ دليلٌ واحدٌ على ما ذُكر كما في سورة البقرةِ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8